أزمة محتوى

  

المحتوى او المضمون في الاعمال بمثابة الروح للجسد وبه وبقيمته يتصاعد او يتناقص قيمة المنتج.
في مقابلة تلفزيونية تابعتها مصادفة، تحدث الفنانة العراقية (سناء التكمچي)، زوجة المخرج د فايق الحكيم، عن مجموعة اعمال مازالت محفورة في ذاكرة معظم جيل منتصف الستينات وبداية السبعينات، بل ومن هم اكبر منهم والتي انتجتها مؤسسة الانتاج الفني المشتركة الكويتية، وهي المسلسل التعليمي المميز (افتح يا سمسم) حيث لعبت التكمجي دور (المعلمة مريم) في الجزء الثاني، وكانت سبباً في تعلم الكثير لنطق الحروف العربية بالشكل السليم، خصوصا في البلاد التي لهجتها العامية بعيدة كثيرا عن الفصحى، وكذلك كارتون (عدنان ولينا)، ومثلت به التكمجي شخصية لينا، وكذلك شخصية جين في المسلسل الكارتوني الشهير الليدي اوسكار.

في مقارنة بسيطة لجميع تلك الاعمال الطافحة بالمضمون والمحتوى الثري مقابل ما تقدمه القنوات الفضائية في كل البرامج، وخصوصا برامج الاطفال المحملة بالعنف والعصبية والفارغة من اي محتوى تربوي.

القضية ليست في المنتج الفني للاطفال بل في كل المنتج الفني. هناك تغول للشكل والبهرجة والمظهر على حساب المضمون، فلن تنجب السينما المصرية فلم “الأرض” مجددا ولا مسلسل ليالي الحلمية وامثاله.

الهوس بالسرعة والكثرة والشكل والمظهر هي نتاج فلسفة التسطيح والتشييء وتحويل كل شيء، مهما كانت قداسته، الى سلعة للربح والاتجار، كما ان تعطيل عقل الانسان عن التفكير والتأمل والتعمق والنظر والتحليل لصالح القوالب الجاهزة والمبسترة يكاد يحول الانسان الى مجرد آلة، ويطيح بالقيم واحدة بعد اخرى في سوق الارباح المهووس بالنفعية.

لست من المتزمتين للقديم ولا من المتصنمين على قوالب متكلسة، ولكني اراقب كل شيء في حياتنا من الكتاب الى السلع الى الخدمات الى كل ما يحيط بنا، وهو ينسلب من روحه ومضمونه، وسننتفخ في شكله انتفاخاً خالي المحتوى، مثل خدود وشفاه البوتكس التي تظهر تخسفاته تدريجياـ بمجرد نفاد الحشوة، ويظهر المنظر باقبح صورة.

القضية تتصل بكل قطاعات الحياة وتحولنا الى مجرد اشياء في عولمة التسليع المنسلخة من كل حس انساني، وهي تنظر لكل شيء في الحياة بمنظار النفعية المفرطة، وتحت مطرقها وسندانها يموت الحب والجمال الحقيقي والعقل والمعرفة والتأمل والعمق والمضمون والمحتوى.
انها مؤامرة الانسان الشرير على بديع خلق الله وعظيم صنعه.

 

One comment

  1. يقول Marleine Saade:

    “هناك تغول للشكل والبهرجة والمظهر على حساب المضمون… تحولنا الى مجرد اشياء في عولمة التسليع المنسلخة من كل حس انساني، وهي تنظر لكل شيء في الحياة بمنظار النفعية المفرطة، وتحت مطرقها وسندانها يموت الحب والجمال الحقيقي والعقل والمعرفة والتأمل والعمق والمضمون والمحتوى.” هذا يدفعنا لنكون فاعلين من أجل الخير العام كل في مجاله.

اترك رد