التأسيس لحروب مذهبية مستدامة

الباحث خالد غزال

لم تعد خافية استهدافات المشروع الإيراني في المنطقة العربية، فتصريحات قادة إيرانيين تجهر بالسيطرة khaled-ghazalعلى أربعة عواصم عربية، فيما تذهب تصريحات أخرى إلى القول أن الإمبراطورية الإيرانية قد باتت حقيقة واقعة وعاصمتها بغداد.

ويؤكد قادة في الحرس الثوري أن إرسال الجيوش الإيرانية بات نهجاً لتثبيت المواقع الجديدة. وإذا كانت الحروب التي تشارك فيها قوات إيرانية تتكبد خسائر بشرية، فإن الحرس الثوري مستعد لدفع عشرة آلاف قتيل من قواته التي يبلغ تعدادها مليوني مقاتل. بصرف النظر عما يحويه الكلام الإيراني من مبالغات، إلا أن الوقائع تظهر أن العرب أمام مشروع متكامل: قومياً وأيديولوجياً وطائفياً، ستكبر أخطاره كلما أوغل في التمدد.

الركيزة الأولى التي تقف خلف المشروع الإيراني هي استعادة القومية الفارسية التي تعود لقرون بعيدة، هذه القومية شهدت انتكاسات وهزائم على يد العرب في مراحل محددة من الصراعات العربية الإسلامية بعد انتشار الدعوة. يستعيد الإيرانيون اليوم حلمهم القديم بإعادة الإمبراطورية القومية الفارسية، واستحضار كل الرموز التي تؤجج الشعور القومي الفارسي. في هذا المجال، يستعير الملالي توجهات شاه إيران الذي وصل أواخر أيام حكمه إلى قناعات بسطوة فارس على جيرانها، وتنصيب إيران شرطي الخليج، فيما يسعى الملالي اليوم إلى جعل فارس شرطي المنطقة وبلطجيتها. لا يخفى ما يقدمه تأجيج الشعور القومي الفارسي من حماسة كبرى لدى القومية الفارسية في إيران، خصوصاً أنها مقترنة بتصورات عن منافع مادية وثروات ستجنيها إيران من هذا التمدد في بلدان المنطقة العربية. لعل إعلان بغداد عاصمة للإمبراطورية خير تعبير عن هذا التوجه.

الركيزة الثانية التي يستند إليها المشروع الإيراني هي استعادة الصراع المذهبي القائم على وجوب استعادة حق تاريخي سرق من الطائفة الشيعية عندما انتصر معاوية على علي بن أبي طالب منذ أربعة عشر قرناً. لا يقل التأجيج المذهبي أهمية في تكتيل القوى عن الشعور القومي. تسعى إيران إلى جعل كل الشيعة تحت عباءتها، بالتحريض والتمويل والتسليح، وعبرت عن ذلك بتنصيب الولي الفقيه الإيراني ولياً على المسلمين جميعاً، وليس على الشيعة فقط. ليس خافياً أن إيران نجحت إلى حد بعيد في نزع العنصر العروبي عن أقسام واسعة من الشيعة، وحصر انتمائهم بالمذهب. تتكرس مذهبة المنطقة وتشييعها اليوم من خلال قوى مرتبطة بإيران، وعبر تصفيات عنصرية وعرقية تقوم بها القوات الإيرانية نفسها ومعها القوى التي تقاتل تحت عباءتها، خصوصاً في العراق وسورية، حيث لا يختلف سلوك إيران وأتباعها عن سلوك «داعش» وأخواته لجهة القتل والتهجير والتنكيل.

يطرح المشروع الإيراني أسئلة مؤرقة على المواطن العربي، هل بات قدراً غير قابل للتعديل هذا التوجه الفارسي؟ من المفيد الإشارة إلى معوقات ستقف مستقبلاً في وجه هذا المشروع. أول المعوقات، أن فارسية المشروع ستصطدم بالشعور القومي العربي الراسخة جذوره. وعلى رغم أن المشروع القومي العربي يعاني اليوم من انتكاسات متعددة، إلا أن هذه الانتكاسات ليست أبدية. فسلوك المشروع الفارسي سيعجل في استعادة الوعي العربي، قد يعبر عنها بصراعات محلية في كل بلد عربي ضد الاحتلال الفارسي لأقطار تقع في قلب المشروع العروبي.

معوّق آخر سينتصب في وجه المشروع الإيراني هو ما سيخلفه التحريض المذهبي ضد المذاهب السنّية التي تشكل أكثرية في أعداد السكان. فالتأجيج والتصفيات المذهبية لن تبقى من دون أثر، بل على العكس إن المشروع الفارسي يؤسس لمئات «داعش» في المنطقة. وليس خافياً أن سوء الظن يحيط بمسلك إيران في ادعائها محاربة «داعش»، فالقوى الإيرانية بالتصفيات التي تقوم بها، تدرك جيداً أنها ستجابه بردود فعل مماثلة، وهذا هو المطلوب وفق الخطة الإيرانية، حيث تبرر لها تصرفات «داعش» البقاء في الأقطار العربية.

واهمة القيادة الإيرانية إذا اعتقدت أنها باتت مهيمنة من خلال بعض المواقع. ستشهد المنطقة حلقات متوالية من الحروب المذهبية التي ستكبر مثل كرة الثلج، ولن يؤثر فيها انهيار «داعش» في بعض مناطق العراق. فـ «داعش» وفكره يتغذيان يومياً من المشروع الفارسي ومسلك القوى التي تنتمي إليه.

في هذه المعمعة، يبدو الوضع العربي في حالة ضياع، تسبق وعيه الضربات الإيرانية البعيدة من الحسابات العقلانية. فهل هذا الوضع سيظل جامداً أم إن الاندفاعة الإيرانية ستصيبه بصدمة وعي تجعله يدرك أخطار ما يخطط للمنطقة ولشعوبها راهناً وفي المستقبل؟

 

اترك رد