جئتَنا نبيًّا وارتحلتَ إلهًا

الأديب جورج مغامس

george mghames
غابتِ الشّمسُ
وآبَ الشّاعرُ إلى بيتِ المساء
كان البيتُ فارغًا إلاّ
من كأسٍ لخمرٍ
وكتابٍ لوردِ السّماء..
**
كما الأعمدةِ تعرّى
عَبرت بمائه حدائقُ اللؤلؤِ
ورَفرافُ هالاتِ البهاء
ألقى عصاهُ على عطاياهُ
تضوّعَ
ضمّهُ إكسيرٌ
إبريزٌ تَصفّى
تَوشّى بومضِ الحبِّ في كفِّ السّخاء
استراحَ على مراياهُ
صلّى صلاتَه الأخيرةَ
تجلّى
أسندَ رأسَه على شِعرِهِ
ونام..
نامَ الشّاعرُ بسكينة!
**
في غمرةِ الليل
والليلُ حشا أحلامِ الصَّبابةِ والحنين
قرعت مجدليّةٌ أجراسَ الياسمين
شاعَ للعطرِ لسان
أقبلت رِندلى
أقبلت دُلزى
غاوتهما يارا
وفتحت بنتُ يفتاحَ دفاترَ المجدِ وكُتْبَ الأساطير
فقدموسُ قالَ
ولبنانُ حكى
ونخبةٌ تبادعت
أحرفٌ تكاملت..
وتعالت على يَمٍّ وقمم
وجوهٌ حميمة
وجوهٌ صميمة
أمٌّ أبٌ خِلٌّ صَحابة
وبُناةُ حضاراتٍ عظيمة
تراءى نهرٌ كرومٌ قباب
وجبلٌ فوق سهلٍ فوق بحرٍ فوق قرىً زمرّداتٍ ومُدْنٍ من ذهب
وهفت حريّةٌ تخفقُ بجناحَيها فوق كرامةٍ وعنفوان
وتبدّت أبجديّاتُ حرفٍ رقمٍ فكرٍ علمٍ وأرجوان
حلَّ اللهُ
تجلّى يسوعًا مسيحًا قيامة
وعند قلبِهِ مريمُ بحضنِها كلُّ الخليقة..،
واستفاقَ!
.. فلمّا استفاقَ
كان الفجرُ واقفًا ببابِ الشّفق
يُؤذِنُ بشمسٍ جديدة
أجملُ منها؟
لا.
ما مرَّ ببالِهِ ولَم..
هذا المعلّم!!
**

said akl
فيا المعلّم
يا حَبرَ الشّعرِ والنّثرِ ولازوردِ المعارفِ والقيم
يا إيلَ البكاراتِ والعَماراتِ وصياغاتٍ مدهشاتٍ عصيّة
ولك على اللغةِ أمرٌ ونهيُ..
يا صَناعَ الفتحِ الكُبارِ تمرّسَ بالصّعبِ ترسّلَ بالبدعِ
مَدْرَسَ التّوليدَ في حِمى الأنقى وحِمى الأرقى تفكيرًا وتعبيرا
وزغردَ البشائرَ بطولاتٍ جمالاتٍ وأفراحا..
يا جهةً سابعةً في مملكةِ الكلمةِ الّتي كوقعِ الهنيهةِ في الأبدِ
لا يَشي بصليلِها بصهيلِها بالحِدا بمواجدِ الأكبادِ
إلاّ النّغمُ الجسّاسُ بين كونِ الأحرفِ وتكوينِ العباراتِ،
فصار مركبةً إيلِيَّويَّةً
لوعيٍ زاوجَ اللاوعيَ ومسَّه الوحيُ العجيبُ
وصورٍ تناسجها مَدُّ ألوانٍ في الحواسِّ وجَزرُ ظلالٍ في الأحاسيسِ
وجَساراتٍ حطّمت أصنامًا وشَهرت على مناطقِ الحظرِ الاجتهادَ..
أيّها الباني المُعلي في عمقٍ وفي بُعدٍ جواهرَ المعاني وطقوسَ بوحِ الفَراداتِ..
يا عاشقَ المطلقِ تَنحتُ في الضّوءِ تَقدحُ الشّررَ،
يا السّاحرُ الماهرُ الأطلعَ الأرضَ الأنزلَ السّماءَ
ومَهَدَ للقولِ الجمالَ وللجمالِ الفنَّ وللفنِّ اللهبَ
وبالغتَ في البلاغةِ تكثيفًا تجريدًا وتجويدا:
بصيرةً تَجاوَزُ
تَنفذُ
تدركُ باطنَ الباطنِ
سرَّ المحاسنِ
تُحوّلُ العينَ الأُذْنَ الذِّهنَ حالة
شيئًا سعيدا
تَمهرُ بالخَلْقِ خَلْقًا جديدا..
يا المعلّمُ الوَحْدَكَ بلغتَ بالسَّبرِ هذا القَصيَّ
ووَجْدَنْتَ له مسرحًا واحتفالا
عَنقدتَ التّراكيبَ
والدُ العصرِ أنتَ!
مثلَكَ
فيهِ
قَبلهُ
أُمّةٌ لم تلدِ،
وبَعدَكَ
سحرُ البيانِ على هَمٍّ
ودواوينُ العُرْبِ
تبكي على مجدِ الشِّعرِ والأدبِ!
**
سعيد عقل يا السيّد
إلى أعراسِكَ دعوتَنا وبسطتَ الولائم
لكنّنا اجتنبنا الباهراتِ أنجمًا وأقمارا
ومِلْنا إلى هَرجِ ساسةٍ ومَرجِ سيقانِ
وصيّاحينَ يَسرقونَ اللهَ والدّينَ
ركبنا السَّهلَ..
وانتهينا:
لا فعلٌ لا فاعلٌ
لا تعبيرٌ يُمتعُ
لا تعبيرٌ يُفيدُ…
**
شاعري الحبيبَ طوباكَ
تباركت رؤاكَ
تباركت يداكَ
فإنّكَ إذًا
جئتَنا نبيًّا وارتحلتَ إلها!!

*****

(*) في ذكرى مرور 40 يوماً على وفاة الشاهر سعيد عقل في 23 يناير 2015

اترك رد