الرئيس سليمان في مهرجان الأبجدية الشعري الأول في منتجع الأوريزون- جبيل: يوم أبحرت سفن الأبجدية انطلقت حضارات الشعوب وثقافاتها

لن يخيف الارهاب والاجرام جيشنا ولن يثني ارادتنا على مواجهته وبذل الارواح والدماء على مذبح الدفاع عن الوطن وحماية اللبنانيين وارزاقهم وممتلكاتهم. jbeilعندما اقسم هؤلاء الجنود الابطال قسم الشرف والتضحية والوفاء، كانوا يتنظرون ما يتربص بهم: المجرمون والارهابيون. ومهما غال المغالون فإن وطنا لديه جيش كالجيش اللبناني هو الذي سينتصر، والسلم على الحرب سينتصر، والايمان على التكفير والالحاد سينتصر.

اطلب من السادة الكرام الوقوف دقيقة صمت اجلالا لأرواح شهداء الجيش الذين سقطوا بتفجير الامس.

“ايها الاصدقاء
يوم ابحرت سفن الابجدية، من على الرمال الذهبية لشاطئ جبيل، انطلقت العقول والالسن والقلوب، في شعاع واسع من افكار نيّرة تقود بجرأة واندفاع، العالم الراقد آنذاك، نحو ثورة مشحونة بعوامل التجدد الثري ومواجهة الجهل والمعتقدات المتحجرة، لتصير اطاراً برّاقاً لحضارات الشعوب وثقافاتها ووسيلة لنقلها من جيل الى جيل.

لقد استحوذت اللغة العربية على نصيب وافر من فوائد تلك الابجدية، كما استحوذ الشعر العربي، بدوره، على حيّز شاسع من تلك الفوائد، في خلال رحلته الشيقة، من عكاظ الى المربد، مرورا ببيروت والقاهرة ودمشق والكويت، ولقاءات اخرى، في مرابع شعرية عديدة زينت حواضر عربية زاهرة.

ان للأبجدية، التي نحتفل معكم ايها الاصدقاء بعيدها اليوم، محطة مضيئة في مدينة الحرف والحضارة. فقد اعتمد مجلسكم الثقافي، هذا العيد نشاطا بارزا يشير الى استعادة لبنان وهج مركزه الثقافي. وهنا لا يغيب عن البال ان في جبيل للشعر صوامع ومناسك وصناّجات يشكلون لائحة طويلة ممن كرمتموهم او ستكرمونهم في المستقبل.

كذلك تزخر جبيل بصروح العلم العريقة والمحترفات الفنية التي تخرّج من رحابها رجالات دين ودولة، وعلم وفن، وأدب وثقافة. فبالإضافة الى الجامعة اللبنانية-الاميركية الذائعة الصيت، والمركز الدولي لعلوم الانسان الذي اعيد اطلاقه في ايار الفائت، انضمت منذ العام 2011 جامعة الــCNAM (المعهد الوطني للعلوم التطبيقية) في نهر ابراهيم والتي تؤسس لنهضة علمية واعدة تساهم في تطور المنطقة وانمائها. كما ان اطلاق فرع لكلية العلوم في عمشيت هو البرعم الذي نأمل في ان يتفتّح ويزهر تجّمعاً كبيراً لعدد من كليات الجامعة اللبنانية، نعمل لتحقيقه في قرية اده، وكلّها تصّب في مصلحة المواطن اللبناني ومستقبل اولاده.

sleiman

الرئيس سليمان يلقي كلمته في المهرجان

انّ للأبجدية هذه، الدور الرائد في تجسيد الافكار التي ينتجها العقل البشري، وفي حفظها وتعميمها، كما انّها شكّلت وتشكّل اداة التواصل بين جميع طبقات البشر، من كل الاجناس والالوان والتوجهات، مما جعلها اللبنة الاولى في بناء العولمة التي تعيش البشرية في كنفها اليوم. فقد عّول عليها الفلاسفة والعلماء والمصلحون والقانونيون ورجال الدين، ليصبح للفلسفة ابجديتها، وللعلم ابجديته، وكذلك للقانون وللديانات السماوية وللمادية الالحادية.

كذلك اصبح للسلم ابجديته، وللحرب ابجديتهُا، ما منحها التأثير الفاصل في مجرى النزاعات والحروب، وصوغ الاتفاقات، وفي ادارة نتائجها ومفاعيلها في الشرق والغرب.
لقد حلّ الحرف في التعبير محل الرسوم والنقوش. الحرف الذي التصق بالحبر الذي يراق على الطروس التي تضّم بجرأة وثبات أي دستور او ميثاق او اتفاق او اعلان، كإعلان بعبدا مثلاً، الذي اعتمدته المرجعيات الدولية، في كل مقارباتها لأوضاع لبنان، واخيرها وليس آخرها، الاعلان الختامي لقمة الكويت العربية الاسبوع الفائت. فاختزل الحرف المكان والصوت، والزمان عند المبصرين، وحلّ محل البصر عند المكفوفين. واحدثت الابجدية انقلابا في التشريعات والاحصاءات والتبادل الثقافي، وفي التلاقي والتحاور بين الناس جماعات ومجتمعات.

وطاول هذا الانقلاب، المجال السياسي، اذ اصبح للسياسة كذلك ابجديتها، نتكئ عليها ونسير على هديها في تعاطينا ومعالجتنا للأمور الوطنية، تحت مروحة واسعة من العناوين، باتت قوتنا اليومي.

فمفاهيم الحرية والديموقراطية والسيادة والاستقلال، التي تتوج العمل الوطني، هي قيم لن نتهاون بها او نتنازل عنها، الى جانب التزام الحياد والنأي بالنفس عن المستعرِ من نيران الجوار. كذلك يقتضي اعادة احياء ادارات الدولة ومؤسساتها وتنظيمها، واقرار اللامركزية الادارية التي تخّفف معاناة الناس، وتحصين الوطن، قلما وبندقية ومصرفا وميزان عدالة. اما تحصين الدستور، الذي اقرّ في الطائف، والذي لا تزال الحاجة ماسة اليه، فهو لا يزال همّاً وطنيا، يتطلّب النظر في الاشكالات والثغرات الدستورية التي تعوّق دوران عجلات الدولة. كما ينبغي علينا استكمال مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، انطلاقاً من التصوّر الذي رفعناه الى هيئة الحوار الوطني، والذي يقينا الاخطار والاطماع الاسرائيلية وشرّ العواصف المحيطة بنا، وخطر السلاح المستشري، وخطر الارهاب الاعشى الذي يأكل اول ما يأكل الشباب الذي لم يعد يقدّر قيمة الحياة التي وهبه اياها الله.
كما نؤكد في مجال مكافحة الارهاب، على دور رجال الدين والمرجعيات الكبرى في لبنان والمنطقة، في الشرح والتوجيه وتحريم ثقافة الموت، في موازاة دور الدولة في المراقبة والملاحقة والمحاكمة والقصاص. فالتكفيري الذي يكّفر الآخرين من البشر هو وحده الكافر.

نورد ذلك عشية انعقاد هيئة الحوار الذي دعونا اليه غداً في قصر بعبدا، لاستكمال مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، بهدف الافادة من القدرات القومية والمقاوِمة، وتعزيز قدرة الجيش اللبناني، واعادة البندقية حصراً الى قبضته، ممّا يعزز هيبته وقدرته على اقتلاع الارهاب من جذوره: جيش لا توضع امامه خطوط حمر.
واذ ناسف لقرار بعض اركان الهيئة بعدم الحضور، فإننا نامل في ان ينضموا في الجلسات اللاحقة الى مركب الوحدة الوطنية. هذه العناوين كلها تنبثق من ابجدية لغوية وسياسية فرضت نفسها على الواقعين اللبناني والدولي.

ايها الاصدقاء

يسرّني ان اكون بينكم هذا اليوم وبين الشعراء العرب الضيوف، أحمّلهم سلامي ومحبتي الى مسؤولي بلدانهم ومواطنيهم، لنستمتع معاً بأريج هذا المهرجان الحاشد والهادف.
ويسعدني ان اتوجّه بالتهانئ الى المجلس الثقافي في بلاد جبيل، هيئة ادارية واعضاء، وهو الامين على الثروات الثقافية المتراكمة في المنطقة.

اشجعكم وادعوكم الى بذل المزيد من الجهد، بالتنسيق والتعاون مع ادارات الدولة، والى رسم الخطوات الطموحة للارتقاء بالمجلس الى مصاف الاكاديميات المرموقة، مرجعيات تنظّم وتنشر العمل الثقافي، وتمنح الجوائز للأعمال الثقافية والعلمية المميّزة، ويركن الى آرائها، وتحترم احكامها عند أي مأزق ادبي او علمي.

فالمجالس الثقافية يجب الاّ تكتفي برعاية الادب والشعر فحسب، بل ترعى العلوم والرياضيات والتاريخ والجغرافيا وغيرها، والترويج لثقافة التلاقي بين مكونات الوطن ودفعها الى اقامة الحوار المجدي، والهادف الى تمتين العلاقة بينها، والى تحصين لبنان.

ولا ننسى انّ حب الحياة والسلام ثقافة، والديموقراطية ثقافة، وتطبيق القانون ثقافة، والايمان بالدولة ومؤسساتها ثقافة، واحترام حقوق المرأة واشراكها في الحياة السياسية ثقافة.
والثقافة هي التزام المواثيق والعهود وعدم التن��ر لها، وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الاخرى. والثقافة تبدو اكثر رسوخاً في احترام نتائج الديموقراطية والقوانين والانظمة المرعية.

كذلك اشجع المجلس على الاستمرار في احترام الادباء والعلماء الجبيلييّن، الراحلين والذين مازالوا بيننا، وتكريمهم، وضمّ المزيد من الرجال والنساء البارزين في حقول العلم والادب والثقافة في كلّ الطوائف والمذاهب والمشارب، على مساحة الوطن كلّه. وهذا الدور الثقافي الوطني يعكس وجه بلاد جبيل التعايشي التاريخي، المتقن لأبجدية التحاور والصفح والمسامحة والتسامح والمواطنية الكاملة، نموذجاً للبنان كلّه، فيساهمون في الحفاظ على تراثه وارثه الفكري والثقافي ويكرمون بذلك الابجدية، ابجدية ابحار جميع اللبنانيين نحو وجهة واحدة هي سلامة الوطن.

اترك رد