ندوة حول كتاب “حكايا لطفل كبير” لمازن عبود في جامعة الحكمة

 

رعى رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر في جامعة الحكمة، ندوة عن كتاب “حكايا لطفل كبير” للأستاذ المحاضر في الجامعة مازن عبود، ويعود ريع توقيع الكتاب لدعم نشاط جمعية “لقاء العمرين”، شارك فيها الوزير السابق روني عريجي ورئيس الجامعة الخوري خليل شلفون وفاعليات ومهتمون.

بعد النشيد الوطني وكلمة للسيدة صفاء عبود، ألقى شلفون كلمة تحدث فيها عن جامعة الحكمة “المقيمة في تاريخ هذا الوطن، منذ قرن ونصف قرن تقريبا، الشاهدة المزمنة على أصالة المبادىء تبشر بها وتنشرها إرثا حضاريا عزيزا متمددا على مساحة الوطن وعلى مدى العقود. إنها القيم الوطنية والثقافية والأخلاقية التي تجعل الجامعة أكثر تكاملا وأشد تفاعلا مع المجتمع فيترسخ التزامها بالوطن ومثقفيه ويتعزز تضامنها مع أصحاب الرأي فيه ومع أهل القلم وأصدقاء الكتاب”.

وتناول الكتاب “المشبع دروسا وخواطر وتأملات وجدانية، وهو صادر عن روح مؤمنة بالله وبتدابيره، عاشت التجارب والاختبارات، وكانت أشبه بأغصان السنديان، المتجذرة في تراب دوما، تستقبل في عبابها الريح وتتمايل أوراقها مع دغدغات النسيم، وتبقى هي هي، في تواضعها كبر، وفي رسوخها شموخ، عاصية على الوقوع في مطبات الأزمنة ومتغيرات الظروف”.

وحيا “الكاتب والروائي، المهندس الزراعي، إبن الأرض والعالم بأسرارها والمتخصص أيضا في الإدارة والتنمية، وهو من خبرها في المنظمات الدولية وفي المهام المحلية وفي التعليم الجامعي حيث لطلاب جامعتنا من علمه وثقافته حظوة وإن محدودة. في صفحات الكتاب عودة إلى الضيعة وحنين إلى زمن البركة وحضور دائم في الميلاد والغطاس”. وتمنى للمؤلف “مزيدا من العطاء، فأرضنا عطشى، نخشى عليها من الجفاف، وكلنا في كنيستنا، كما في الوطن، نعيش زمن الانتظار”.

يونس

وألقى الشاعر والأديب الزميل حبيب يونس كلمة استهلها بتهنئة الرئيس السابق للجامعة المونسنيور كميل مبارك بالوسام الرئاسي الذي منحه إياه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتحدث فيها عن الكاتب ومؤلفه، وقال: “أجزم أن ليس ما بين أنيس فريحة ومازن عبود فرق شاسع، إلا في الزمن”.
وألقى قصيدة هنأ فيها مازن بكتابه.

خباز

وكانت كلمة للفنان جورج خباز قال فيها: “كنت اعلم باني سأقرأ كتابا قيما بتوقيع شخصية شفافة روحانية ما زالت متمسكة بمبادىء وقيم اخلاقية وعادات وتقاليد اصبحت شبه منقرضة في زمننا الحالي، ولكن المفاجأة كانت كبيرة لما رأيت نفسي امام اسطر حيكت بمزيج من المشاعر والادب والروحانية والتعلق بالجذور، وتوريثها للمستقبل المتمثل بالبطل الحقيقي والافتراضي في آن”.
ورأى أن الكتاب “لا يحتاج الى جهد في التحليل، فهو واضح وصريح بفرض المفاهيم المتجذرة والوفاء الساكن في نفس الكاتب وعقله”.

عريجي

والقى عريجي كلمة قال فيها: “في حمأة ما يغلي عندنا وحولنا، يبدو عبثيا أن نتحلق الليلة حول كتاب، لكنه لبنان الألق والحقيقة والينبوع – بالرغم من كل العواصف والمتاهات. “حكايا لطفل كبير”، فرحتنا بجديد الكاتب الروائي – الأستاذ المحاضر الصديق مازن عبود يضاف إلى إصداراته وبينها “ذكريات صبي المحلة”… “وكفرنسيان” وسواها… في جديد السطور، تخيل محاورة بين المؤلف وولده وتأملات في أحوال الدنيا بين الذاكرة والحاضر ومآلات المستقبل… والد وولد – صلة النسب – فكريا في نقل التجربة، وهي محاورة بين الذات والذات على طريقة مازن عبود… وهي كذلك متابعة التجربة الإنسانية في المنحى الأدبي… أستحضر للمناسبة مضمون كفرنسيان، كتابه السابق – الحاضر، وذلك المناخ المعبوء برذاذ الحنين وسحر الأمكنة، من ضيعة الأمان وصور الذاكرة والتشبث بجذور مرحلة حنين”.

أضاف: “قلق مازن عبود، ينقله إلى ولده من ضياع ترميزات تلك الصور بمضامينها الإنسانية، في مقابل التوجس من استحقاقات الحياة من منظار ايماني. وتبقى في تلاميح “الحكايا”، أسئلة العالم الحديث في الزمن المعولم والتوحش، إلى فضاءات التواصل ومتاهات ضياع الفرادة وأخطار التنميط وأهوال الحروب والاحتباس النفسي والبيئي، وغول المعلوماتية التي تتجسد أخطاره بالذكاء الاصطناعي الذي يهدد للمرة الأولى كيان الانسان كما نعرفه. في فضاء هذا الصرح الاكاديمي – نستعيد من الذاكرة أنساما عطرة لصورة المؤسس الطيب الذكر المطران الدبس – قبل قرن ونصف من الزمن – يوم تزامن تأسيسه لصرح “الحكمة”، مدرسة وجامعة، مع قيام الجامعتين العريقتين الأميركية واليسوعية. كان ذلك منتصف القرن التاسع عشر، قرن التحولات في الشرق ولبنان. ذاكرون جميعا زمن النهضة الفكرية والعقل اللبناني المستنير والإرساليات والمدارس وحركة الطباعة والنشر. يومها كان دأب مدرسة “الحكمة”، تخريج طلاب وعقول لبنانية الهوى والولاء، في مواجهة العثمنة الطورانية ومواكبة أفكار التنوير والحداثة. وتستمر المسيرة اليوم مع جامعة الحكمة التي تبذل الكثير في سبيل تخريج أجيال من الشباب العارف، يعمر وطنا لمواطنين، ومجتمعا يزدهر باقتصاد المعرفة”.

وتابع: “هنا لا بد من التوقف بإجلال أمام الدور الجوهري والبنيوي الذي تلعبه المؤسسات الكنسية على كافة الصعد التعليمية والثقافية والصحية والاجتماعية والتي ساهمت ولا تزال في بقاء المواطن اللبناني في وطنه وتمسكه بارضه وجذوره ومحافظته على هويته وتراثه. بأسف وقلق، نتحسس رداءة ما صرنا فيه من تردي الأحوال السياسية، وانعكاساتها على الصعد كافة، ما يهدد الكيان والمصير. حبذا لو يقتدي أصحاب القرار السياسي بما ينجز أهل الثقافة والأدب والفنون، مسرحا وسينما وتشكيلا وكتابة، وما يحصدون من تكريم في الداخل ومحافل الدنيا، لهم وللبنان. واحد الامثال الحية موجود بيننا اليوم، عنيت المخرج المبدع والكاتب المرهف والممثل القدير الصديق جورج خباز. محزن ذاك النقيض، في غياب الحس بالمسؤولية الوطنية والشأن العام. كم نحن اليوم بأمس حاجة لإعادة استنباط نهضة ارتقاء حضاري – إنساني سياسي تليق بلبنان”.

وختم: “أتوجه بالتهنئة للكاتب مازن عبود، مبروكة له ولنا “حكاياه” والى مزيد من العطاءات. وأتوجه إلى الصديق سيادة المطران بولس مطر صاحب الأيادي البيض في أكثر من مجال، راعي هذا الاحتفال الأدبي، بتحية الإكبار لنشاطاته ورعايته الدائمة مناحي الإنماء الاجتماعي – الإنساني – الثقافي، ضمن رسالته الروحية، متمنيا له الصحة والعزم الأكيد، خدمة للرعية وللبنان كافة. تحية لكم جميعا، ويبقى لنا لبنان الفكر والإنسان”.

مطر

بدوره ألقى راعي الاحتفال كلمة قال فيها: “يسعدنا أن نرحب بكم جميعا، أهلين للحكمة وأصدقاء، وقد تحلقتم حول كاتب مميز وكتاب ثمين. فالكاتب هو الأستاذ مازن عبود، الذي يحمل اختصاصات معرفية قيمة، من مثل الهندسة الزراعية وإدارة الأعمال والتنمية المستدامة، والذي يقوم بتعليمها في جامعتنا بكل جدارة وإخلاص. لكن ما يلفت في هذا الرجل هو توقه إلى الحقيقة المطلقة وإلى كنه ما في الإنسان من أسرار تعكس وجه مبدعه ومطلقه إلى الوجود. فهو إلى متابعته حقائق الأرقام واستنباطه نواميس الطبيعة وفصول الحياة، يسعى بخاصة إلى أم هذه الحقائق المنزلة في الكون والتي لا بد لها من ينبوع يتوق الرجل إلى الارتواء منه ولا يرضى إلا بالوصول إليه. ولئن كانت هذه حال الكاتب فسوف تكون هذه أيضا حالة الكتاب. فعندما تقرأونه أيها السادة ستجدون فيه ترجيعا لاختبار ثقافي إنساني وروحي عبر فيه الرجل بما هو أبعد من المختبرات والأبحاث الجزئية التي لا بد منها، لكنها لا تغني عن الجوع إلى الحق الأكبر والملكوت الأسمى. فنهنىء من صميم القلب كاتبنا العزيز ونهنىء الجامعة فيه أساتذة وطلابا لأنه بما يكتب ويعيش من داخل، صار رمزا لوحدة الفكر ولوحدة المعرفة ولو تجزأت وكثرت وجوهها كالبلور الذي يعكس بألوانه جمالات النور الواحد. وفي الوقت عينه نتمنى أن يتعرف على كتابه الزملاء والطلاب وكل من سأل ويسأل عن ثقافة من اللبنانيين وعن تراث لهم مليء بالعطاء. إنه كتاب حمله صاحبه هذا الوجه الروحي المنقذ للحضارة من الضياع، ليصان معها التوازن الفكري والإنساني في القلوب وتتزود الأجيال الجديدة بما تحتاج إليه من قوت يكون سندا لها في رحلة الحياة نحو الغنى الأكمل والفرح الأشمل، حيث الديمومة الأسمى والتواصل الكلي بين الزمن والأبد”.

أضاف: “هذه القيم الروحية شكلت محورا أساسيا للكتاب بل مبررا لوجوده، فلا تصح قراءته إلا من خلال ارتباطه بالخالق وحضوره في المخلوقات – أليس هو الإله الذي صار جسدا وحل فينا؟ – وهذا ما لم يغب عن وجدان المؤلف الذي استفاض في الكلام عن “المحبة النازلة من فوق” وعن “الحياة التي تعلم كيف نحيا في المحبة والخدمة” – وكلها تعابير من المؤلف. ومن القيم التي تردد ذكرها في صفحات الكتاب قيمة الحرية، وهي “حالة لا بل هوية” – كما يقول الكاتب فيها وعطية الألوهة وسر الناسوت وعطر الوجود”. وكذلك السلام “حيث فسحاته بدأت تصغر وتضمحل رويدا رويدا ونحن لا نريد لها أن تزول لئلا يزول وجه الرب عن الأرض، وعبق رائحته من تربتها وومضاته من بشرها” – كما كتب”.

وتابع: “رافقنا الكاتب بشغف واهتمام في صفحاته المشبعة فكرا وأدبا ووجدانيات، ولمسنا غنى مخزونه في حوار ينقله إلى ولده، ومعه إلى كل الأجيال، مضيفا إليه خبراته الحياتية الغنية – وهي لا تزال في أوجها – وعلومه الجامعية وتجاربه المهنية، وكلها، أولا وأخيرا، نتاج إيمان قويم، ورأي مستقيم، نهل أصوله من عائلة معروفة من عائلات دوما، البلدة القرميدية التي وهبت أبناءها توقا مستمرا إلى العلى. هذا الإيمان طبع المؤلف وأزمنته الجميلة، وعن “خميرة الغطاس” و”ماء العماد”، وعن الصليب والقيامة مؤكدا أن “يسوع صلب لأن في الأرض كذبا وحسدا ونفاقا ومواربة وملوكا كذبة ورؤساء ووجهاء يكهنون للأصنام” مضيفا في النهاية “أن الشر لا يقبل كل ما ليس من طبيعته، وأن الخير ارتضى أن يصير لعنة كي تصير اللعنة خيرا”.

وقال: “إنه تعليم الكنيسة عن لاهوت الألم والصلب، تعلمه ويعيشه أبناؤها بعمق وبساطة تحاكي الواقع الذي يعيشه عالمنا اليوم…وما أحوج هذا العالم الذي يعاني ما يعانيه ليروحن آلامه ويعطي لمعاناته المتعددة الأوجه معنى خلاصيا، زارعا فيه رجاء وسلاما – يبحث عنه كل يوم. هو سلام الرب. وقد أعطانا إياه مبنيا على عطاء الذات بدون مقابل أو شروط، خلافا لسلام الأمم القائم على المصالح والمنافع، والمهدد بالسقوط كلما زالت المصالح وتغيرت موازين القوى. هذا السلام الذي وجد في كتاب مازن مكانه الأرحب تلزمه قلوب سخية ونفوس أبية تتوق إلى المطلق، والله هو المطلق الذي نبغيه ونرتاح فيه وحده”.

وختم: “نهنئ مجددا المؤلف العزيز بهذه الرحلة الوجدانية التي تذكرنا بغناها كل أنعام الله، والتي ألهمته إلى التحصيل والفكر، اختبارا روحيا حريا بأن يفتح للناس أبوابا جديدة نحو السعادة. وإن لجامعة الحكمة أن تفخر بمثل هذا العطاء يطل علينا من أهل العلم، ومن قال أن العلم والوحي لا يلتقيان؟ العمل يكمله الوحي ويشلح عليه المعنى. نعم، أيها السادة، إن ما نريده في لبنان هو أن نتخطى مرحلة البقاء وتنازع البقاء لنصل جميعا إلى مرتبة الحياة. لكن هذه المرتبة تتصل اتصالا وثيقا بمعنى الحياة فلنسأل عن هذا المعنى وهو يعيد لنا كل شيء إلى نصابه وكل عدل إلى محرابه، فتحلو لنا الحياة والأعياد واللقاءات التي نعقد هذا المساء واحدا منها، ونتذوق معه طعم الفردوس”.

عبود

ختاما، كانت كلمة وجدانية للمؤلف شكر فيها للجامعة ومطر “الاستضافة والرعاية والاحتضان، كذلك شكر كل من شارك في المناسبة وساعده في مؤلفه.

اترك رد