يوميّات عابرة (55)

   

حَمَلني «بساط الريح» إلى مدن الحكايا البعيدة.
رأيتُ مخيّلتي سبقتني واشترت من العطّارين أحلامًا لا علم لي بها، لتزيّن ما تريدني أَن أَحكي.

ما عدت حكيت.
***
دَعَاني الوقتُ إليه: تعال.
لبستُ أجمل ما عندي. تعطّرت، سرّحت شعري. وضعت بنفسجةً في عروة قميصي، ونظرت في المرآة متأكدًا من أناقتي.
رَجفتُ..!
رَأيتُ الوقت خلفي وأمامي وحولي.
رأيته يُحدّقُ بعينيه الفارغتين.
تراجعتُ.
دخلتُ ذاتي، خلعتُ أناقتي. نفضتُ ما عَلِقَ بها من نظراته… واندسستُ عاريًا في لهبِ عمرٍ خفتت ناره، وكثُرَ رماده.
***
جاءت الحكاية إليَّ:
– خذني.
نظرتُ بطرف عيني.
تمسّكت بمنديل عتيق لجدّتي، احتَفظَت به من يوم عرسها.
ـ غوايةً كان؟
ـ علامة حبّ ووله؟
ربّما… وشدّدت عليه.
شممتُه مرّة بعد مرّة، بعد مرّة، حتّى استعدتُ منه رائحة حكاياها.
… وعرفتُ ما لم أكن أتصوّره عشقًا.
٭٭٭
صحنُ الدار في بيتنا ملعبي الأوّل.
خرجت منه إلى ملاعب كثيرة، وساحات شاسعة شاسعة…
ولا واحدة منها كانت أوسع من صحن الدار في بيتنا.
٭٭٭
أسوار البيت عالية.
أسوار المدينة عالية.
… هذا في الحكايا القديمة… وانتهت.
هُدمت الأسوار، توقّف البحثُ عن باب للدخول، إلى بيت… إلى مدينة.
٭٭٭
كلّ سقفٍ يسند ظهره إلى «عمود الوسط»، ويريح أطرافه على أكفِّ الجدران وأكتافها.
بيت من دون عمود لا يُسندُ إليه ظهر.
٭٭٭
لا يُبنى البيتُ إلا على صخر.
إذا تعذّر؟ فعلى أساسٍ من حجر صلب.
من دون الأمرين تضحك الريح في عبّها.
لن تصادف من يبكيه.
٭٭٭
يولد الموج في منتصف البحر، وينفلش على الشاطئ.
يصير ناسًا في المدن.
٭٭٭
تكبرني صنوبرة بيتي بمئتي سنة.
ما زالت العصافير تغازلها وتمدّ مناقيدها اشتهاءً.
٭٭٭
ما رأيت زهرةً تلتفُّ بشالٍ يردّ البرد عنها… والعيون.

اترك رد