الأديب الجزائري Bendjebbar Aoued: لسوء الحظ الأدب الجزائري هـو فقط أسماء معيّنـة ودائرة مغلقـة

mhamad ben jabbar

الروائي مولود بن زادي

حوار حصري صريح يجريه  موقع “الرواية الجزائرية” مع الأديب الجزائري Bendjebbar Aoued نتعرف من خلاله على أراء الأديب في واقع الأدب العربي.. العزوف عن القراءة في الجزائر والوطن العربي.. مصداقية الجوائز… 

بداية، حدثنا قليلا عن نفسك وعن إسهاماتك الأدبية.

عـواد الإنسان أكثر وضـوحا من أي عـواد آخر! عواد كأي “بونادم” كهل جرجر من ورائه تاريخاً شخصياً يتقاطع مع نقاط مهمـة من تاريخ الجزائر الحديثـة ، ليس مصادفـة أنني ولدت سنة “الإنقلاب البومديني”، و سنة تخرجي توافقت مع أكتوبر 1988 ويوم توظيفي توافقت مع إغتيال “بوضياف”، عواد الإنسان الذي عايش ظروفاً مؤلمـة وتقلبات حرجـة وشاهد على مرحلـة دمويـة من أسوأ المراحل في حياة جيلنــا، عـواد الإنسان بين هــذا و ذاك حافظ على ما تبقى من إنسانيته، رمّم ما أمكن ترميمـه، سيذهب كل شيء لا تبقى إلا إنسانيته.

 بعد تجربة طويلـة مريرة مؤلمة مجهدة ظهـر من عـواد الإنسان ، عواد الروائي كتكملـة لمشروع عواد الإنسان وتتويجاً لمساره الحياتي وكقيمة معرفية  زفلسفيـة وحياتيـة، عواد الروائي، لم يختر أن يكون كذلك، اختار أن يكتب القصـة ويقرأ الأدب العالمي ويعشق الكتاب، بدلا من أن يشتغل على شيء آخر، وهـذا في حدّ ذاته يتنازع فيـهما ” الضمير” بين القلق و الطمأنينة!! و في معظم الحالات عـواد البسيط، الطيب، هو الإنسان الذي لا يتغير مهما حدثت من حوادث  واستجد من جديد.

  سبق لي أن نشرت قصصاً قصيرة في النادي الأدبي بجريدة الجمهوريـة والملحق الأدبي بجريدة الشعب وفي مختلف الجرائد الوطنيـة، كتبت مقالات متفرقـة في مواقـع إلكترونيـة، شاركت في ملتقيات عدة، أما أول إصدار أدبي فكــانت روايــة، بعد إنقطاع عن الكتابـة لمدة أكثر من عشريـة كاملـة، رواية “أربعمائــة متر فوق مستوى الوعي”  تلخص مسيرة طويلــة كـ”بونــادم” عاش أحداثاً و ظروفاً مختلفــة. أما مؤهلاتي الجامعيـة فأنا ماستر في الحقوق ومتحصل على شهــادة الكفاءة المهنية للمحاماة ، أعمل كموظف بمديريـة الفلاحة.

 كيف تنظر إلى الواقع الأدبي في الجزائر وفي الوطن العربي اليوم؟

الوطن العربي ما زال يقدّم مآثره الأدبيـة و الـ best seller كوكبة كبيرة من الكتاب والروائيين تعاقبوا على المشهد الثقافي والروائي والقصصي في العالم العربي، كانت هنــاك نفس الأسمــاء يتابعونهـا، يتابعون إصداراتها، تفتح لهم الجرائد والمجلات والدوريات وكليات الآداب صدورها لتصبح قضايا رأي عــام ، قضايا الساعـة ، قضايا سياسية وثقافيـة، قضايا التحرر، قضايا جماليـة…الخ ، بعد النكسـة العربية، كسف المشهد الثقافي  والأدبي وأصبحت الكتابـة تعبيرا عن الفردانيـة و سبل الخلاص ، خفت صوت الكبار لتظهـر كتابات ومؤلفات لأسماء أخرى لم تكن سائدة في المشهد! لكن كنا نشعر بوجود شحنـة من الأسى والتذمر للأجيال التي تعاقبت، بعد الفورة البتروليـة الكبرى، ارتبطت الجوائز بالبحبوحة الماليـة، وكان للمشارقـة وخاصـة دول الخليج السبق في استغلال الأسماء والمؤلفات والروايات التي لها منحى سياسي معين، رغم مساوئ التوجيه والإيعاز، فأعترف أنني قرأت مجموعـة لروائيين كبار مثل عزازيل “الجنقو.. مسامير الأرض” ، فرانكشتاين ، الطلياني وغيرها من الروايات المؤثرة و الفاعلــة والجميلــة وتنم عن جهد إبداعي كبير. في الجزائر، الجيل السبعيني لم يخرج عن القاعدة ، استوعبت نفس القاعدة وعملت عليها بشكل محلي ، الثورة الزراعية ، الظلم الاجتماعي ، الثورة التحررية ، الهجرة ، الإيديولوجية ، هاجس الوحدة ..الخ.

  كانت هناك أسماء ذاتها مكرّسة على الساحـة و لـم تترك لغيرهـا مجالا للظهــور بسبب استحواذها على كل وسائل النشر والإعـلام ، فرغـم وجود أسماء كبيرة إلا أنهـا لم تعمل على فتح المجال إلا لنفس العائلـة التي تنشط على الساحـة، رغم أن هنــاك إختراقات هنــا و هنــاك، لكن المشهد هـو نفسـه، بعد الأزمـة الاقتصادية 88، تفكّك العالم الاشتراكي ، تفكّّك نسيج المشهد الثقافي بسبب عدم فهم الواقع الجديد ، ما أن دخلت الجزائر في نفقها المظلم ، حتى بدأت أشلاء الفكر تتطاير من هنا وهنـاك و تغيرت القناعات وأصبح البحث عن المأمن هي قضيـة مصيرية للكل كاتب أو روائي ، آلــة الموت ضربت بقوة وأصبح البحث عن الملجأ أو السكوت هما الخياران الوحيدان لا ثالث لهما .

 بعد سنين القهـر والموت والإرهاب يطل الأدب الجزائري باحتشام على نفسه، وإذ يكتشف القراء أن هنــاك كتابا و شعراء تورّطوا فعلا في الانضمام إلى هـذا الجانب أو الآخر. و لكن المؤسف… أنه تشكّلت قــوى أو عصابات ثقافيـة وقفت تجاه كل ما هو جديد على الساحــة، تجاه أدباء الشباب وضد كل محاولـة لفك الحصار عن أنفسهم، عصابات ثقافية كرّست بعض الأسمــاء إعلامياً وأكاديمياً ونشراً وانتشاراً، في حين أن الساحــة بحاجة إلى تجديد وبحاجــة روح شابة متجددة، لسوء الحظ الأدب الجزائري هـو فقط أسماء معيّنـة ودائرة مغلقـة .

كيف تفسر العزوف الخطير عن القراءة في الجزائر والوطن العربي؟

تناول الكثير من الاجتماعيين ظاهرة المقروئيـة، وقد بلغت مستويات خطيرة بفعل انسحاب فعل القراءة كنشاط إنساني خلاق، البعض يتهم المنظومة التربوية، البعض يتهم السلطات والآخر يرجع المسألـة إلى مجموعـة مترابطـة من العوامل، من بينها وسائل الاتصال الحديثـة، الكل يلعن هذه الظاهرة، الكل مستاء من هذا الزمن غير الجميل، الكل يدق ناقوس الخطـر، لا أريد أن أحلّل هـذه الظاهرة ولا أستطيع، نظراً لعدم تخصصي في المجال، لكن أتذكر جيدا، أن العزوف عن قراءة الأدب في الجزائر و نزولـه إلى مستويات متدنيـة ارتبط بظاهرة الصحوة الإسلاميـة في الجزائر، لحسن الحظ أن في مدينتي الصغيرة مكتبات موروثـة من زمن الكولون، مكتبات أدبيـة بامتياز، تطرح مبيعاتها بشكل دوري و باللغتين، كنا نتابع المشهد الثقافي و الأدبي في البلد لكن بعد الصحوة الإسلاميــة وظهـور إسلامي حركي كبديل للإيديولوجيـة اليساريـة والاشتراكية، اتجه معظم القراء إلى الجانب الآخر، استحوذ على الوعاء “القرائي” إضافـة أن دور النشر النشيطــة وهي معذورة، لأن هدفها الربح المادي ،عملت على ترقيـة الكتاب الديني و ساءت الأوضــاع فعلا أن تحوّلت المكتبات التنويريـة إما إلى الكتاب الديني أو تحوّلت إلى محال كرانتيكا. الأجيال الراشدة انسحبت واكتفت بما لديها والباقي أعلن صراحــة عداءه للكتاب الثقافي والأدبي.. ثم تأزمت الأمور وساءت بعد سنوات العشريـة السوداء، ليخرج جيل مشوه تماماً ولا يمت إلى الثقافة ولا الأدب بصلة .

بينما تشهد الجزائر عزوفا متزايدا عن القراءة، يسارع بعض الكُتاب إلى نشر رواية كل سنة يشاركون بها في معرض الكتاب، فكيف تفسر هذا التناقض؟

قبل كل شيء معرض الكتاب له فائدة على دور النشر التي تورطت في نشر الكتاب الأدبي بأموال يدفعهـا الكتّاب، تريد تصريف إنتاجها وزيادة أرباحها، الكاتب الجزائري مغلوب على أمره، في كل الحالات هو الخاسر! أخالفك الأمر أنه النشاط الوحيد في السنة الذي يتم تعريف بالكتاب وبالمؤلف ، فيتم تناوله إعلاميا وبعض الاهتمام ، لتباع بعض النسخ ويتم دعوته إلى ندوات تلفزيونية وإذاعية، ويسمع رأيه، أنا أتحدث عن المعرض الدولي للكتاب وبعدها ينسى نهائيا في خضم قضايا سياسيـة و اقتصادية…

  معرض الكتاب محاولة لإنقاذ الغريق ليس إلا ، لكنها محاولات فاشلـة في استعادة القراء الذين تحوّلوا إلى الجانب الآخر من الفكر الظلامي أيضا الوضــع الحالي الثقافي في البلـد لا يشجــع على القراءة، الأقســام الثقافيـة في الصحف  تعتمد على الملخصات ونادرا ما نجد أحد صحافييهــا يبادر إلى قراءة الأعمــال فما بالك في خطوة أكثر تعقيدا.

  لماذا في اعتقادك لم تلق الرواية الجزائرية المترجمة رواجاً عالميا رغم نجاحها في الوطن العربي؟

الترجمــة يا صديقي مرحلـة أخرى لا تأتي بالعلاقــات مع الأحباب وإنمـا هو فعل مؤسساتي مبني على توجه خــاص للعــالــم، التقعيد للإبداع وتعريف الأدب بشكل عــام بحــاجــة إلى شخصيـة من طراز أندري مالرو  وليس إلى “رنّاك، شيات، قحبون أو وصولي” ، الثقافـة في بلدي لحقت إلى إشكال آخــر هـو إنسحاب سنوي من القراءة ، الأجيال الجديدة لا تهتم ، في غياب كل تشجيع وتكفل بالكتاب والكتّاب، المشكلـة أصبحت عويصــة و خاصـة كتّاب الشباب، أما المفرنسين والكتّاب المتفرنسين فلهـم قبلتان، قبلـة في العاصمــة و قبلـة في باريس في كل الحالات هـم رابحون ، المساكين هـم من يكتب بالعربيــة لا يجد من يسمع لـه و لا يجد من يتكفل بـه إلى أن يطويه النسيان . المهم التخلف يضرب بشكل أعمق.

بإختصار شديد نحن ترجمتنا لا تعــدو مجرد مبادرات فرديــة أما الآخرون فالترجمــة مؤسستيــة مبنيــة على دراسات معمقــة و أسس متينــة . بالمنــاسبـة الترجمــة في أمريكا اللاتينيــة يعنـي عندهم تقاليد كبيرة في هــذا المجال هذا كمثال فقط .

 فازت رواية “الطلياني” للتونسي شكري المبخوت بالجائزة العالمية متفوقة على 179 رواية وبأسلوب كلاسيكي بسيط مجرد من الصور البيانية وصفته دراسات نقدية بأسلوب التقارير الصحفية، وهو ما جعل بعض النقاد يشكك في مصداقية الجوائز الأدبية.. فما تعليقك على ذلك؟

سعدت أنك فتحت ملفا حول رواية “الطلياني” ولحسن حظي أنني قرأتها بعد فوزها بجائزة بوكر العربيـة، روايـة “الطلياني” رغم ما قيل عنها أنها غير جديرة بالجائزة، إلا أنها أعجبتني كثيراً لأنهـا مؤشر آخر لعودة اليسار في خضـم ثورة الربيع العربي ، روايـة حاولت التأريخ للزمن الجميل ، زمن النضال الجميل ، ذاكرة الشباب تفعّلت في ذاك الفضاء ، روايـة أرّخت لتونس الحديثـة في إحدى جوانبها الايديولوجيـة ، جمالية الروايـة في موضوعها و لـو ان الكاتب ” شكري المبخوت” كتب بأسلوب عادي جدا ولكن أوصل الفكرة بدقـة متناهيـة ، هذا مؤشر أن القارئ لا يهتم لتكثيف النص وجماليته بقدر ما يريد قراءة الفكرة بسبب أننا في عالـم لا يحب التأويل والبحث عن المعنـي المستتر والخوض في غمار التعقيدات ، القارئ المثالي لا يوجد في عالمنا العربي .

هل تؤيد اعتماد اللهجات العامية في التدريس في الجزائر أم تعارضها، ولماذا؟

أريد تجاوز هـذا السؤال. عندي أبناء يدرسون في مختلف أطوار التعليـم، لو طرح عليّ الخيار لتدريس أبنائي باللهجات ما قبلت! أدرسهم اللغات الحيّة حتى يتمكنوا من الانفتاح عن العالـم .

آخر كلمة؟

ما الفائدة من الرواية إذا لم تكن جرأة في الطرح والتميز والمغايرة، الأديب والروائي هـو كائن مختلف ومغاير على السائد ، إذا كان لا يحمل مشروعاً ما من الأفضل لـه أن يزاول عملاً في كتّاب أو يشتغل إدارياً أو قهاوجياً أو ينخرط في حزب سياسي أو لجنــة مساندة وينتهي الأمر، يستريح من عنــاء الكتابـة و” “تكسار الراس”.

بقدر ما عواد معروف ببساطته وعدم تكلفه ونظرته المشبعـة بالحياة فهـو صريح إلى أقصى الحدود ، عـواد منسجـم و متصالح مع نفسه يعيش مع أفراد الشعب في أكثر الأحياء الشعبيـة فقـراً، يستمد منهم طاقة الحياة وخصوصاً الكفاح اليومي . لكن صراحـة عـواد تجعل من يومياته زخماً حياتياً مليئاً بالإثارة وأحيانا مواجهـات وصراعات أفكار ضد ما هو تقليدي وما هـو سائد.

  عواد الروائي جعل من هذه اليوميات عملا أدبيا يستحق النظر والتأمل. لي أفكار كمثقف، ككاتب، كشاهد على مراحل تاريخيـة معينـة، رأيت أن أضعهـا على السطح لمناقشتهـا، لتفكيكهـا، لتداولهـا، لإعــادة بعثهـا في شكل رؤى محددة و هـذا ما يصبو إليـه أي كاتب.

نجاح الكتاب الأول يحدّد نجاحه المستقبلي، لأن الكتاب الناجح يعطي لـه دفعا قويا للكتابـة والخوض في غمار الإبداع بشكل عام . ما قدمته للقارئ هو عصارة تجربة حياتية ونظرة فريدة ومتميزة للحياة، وسيشاركني البعض في نظرتي للأمور، أما على الصعيد الأدبي فاترك هذا للنقاد وذوي الشأن وذوي الاختصاص، وتقرير روايتي هل هي إضافة للمتن الروائي والأدبي في بلدي .

 

اترك رد