كشف الأب أنطوان ضو ، أمين الشؤون التاريخية في رابطة قنوبين للرسالة والتراث ، في سياق العمل لجمع وتحقيق أوراق بطاركة قنوبين الذي تنفذه الرابطة بدعم رئيسها نوفل الشدراوي، أن محلة بريسات في قرية الديمان قد عرفها البطاركة الموارنة، وأقام بعضهم فيها فترات قبل أن ينتقلوا رسمياً إلى كرسيي الديمان القديم والحالي.
معناها وأحداثها
اعتبر الأب ضو أن كلمة بريسات تعني الأراضي المنبسطة الممتدة . وقد عرفها البطاركة الموارنة، وأقام بعضهم فيها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، ففي 19 أكتوبر 1785، ذهب الخوري يوحنا الحلو ، البطريرك في ما بعد، إلى بريسات لمقابلة البطريرك يوسف اسطفان (1766 ـ1793) المقيم هناك، كما ورد في الصفحة 40 من مؤلف الخوراسقف يوسف زيادة عن البطريرك يوحنا الحلو ، منشورات جامعة الحكمة سنة 1997.
ويكمل الأب ضو : البطريرك يوحنا الحلو الذي انتخب في 8 يوليو سنة 1809 خلفاً للبطريرك المستقيل يوسف التيان (1796 ـ 1809) ، قد اقام في بريسات أولاً ثم في قنوبين حيث مات في 12 مايو 1823، كما ورد في ” المفكرة ” للبطريرك بولس مسعد . وقد كتب البطريرك يوسف التيان في 6 أغسطس 1810 رسالة إلى خلفه يوحنا الحلو يهنئه فيها بالوصول إلى مطرحه في بريسات قائلاً : ” انسرينا بوصولكم بالسلامة إلى مطرحكم بريسات . ونسأله تعالى أن تكونوا دايماً بخير”.
وفي يوميات العلاّمة يوسف سمعان السمعاني ، وقائع نهار ” أول يوليو الأحد (1736) من العاقورة الى وادي الحرايص تحت عين البطية ومن بعد الغداء الذي كان يكفي عسكرين، دخلوا بلاد الجبة في عراضة إلى بريسات، وبعدما استراحوا قليلاً نزل القاصد في الوادي … ” ومعلوم أن العلامة السمعاني كان موفداًً بابوياً لمتابعة انعقاد المجمع اللبناني 1736 “.
الانتقال من قنوبين
يضيف الأب ضو : هذه الوثائق التاريخية وسواها التي نطلع عليها في سياق عملنا الذي بدأنا به منذ فترة والمتعلق بجمع وتحقيق أوراق بطاركة حقبة قنوبين ، تضيء بصورة أكيدة على جملة حقائق:
1 ـ اعتماد أحد أديار بريسات لإقامة البطاركة يعود إلى عهد البطريرك يوسف ضرغام الخازن (1733 ـ 1742 ) وفق يوميات العلامة السمعاني.
2 ـ إقامة البطريرك يوسف اسطفان الذي زاره الخوري يوحنا الحلو في بريسات كما ورد.
3 ـ اقامة البطريرك يوحنا الحلو في بريسات قبل قنوبين كما ورد في رسالة سلفه يوسف التيان إليه.
4 ـ إن وضع دير سيدة قنوبين المتدهور دفع بالبطاركة الى الانتقال منه إلى مكان قريب إليه ويسهل التواصل منه مع سائر المناطق وفي طليعتها كسروان .
أي دير في بريسات؟
أمين النشر والاعلام في رابطة قنوبين الصحافي جورج عرب، قال: “لا بد من قراءة المعطيات التاريخية المذكورة على أرض الواقع الجغرافي لبريسات لتحديد مكان اقامة البطاركة ، والخلاصة هي:
1 ـ توجد ثلاثة أديار في بريسات هي أديار مار اسطفان ، ومار شربل ، ومار يوسف ، والأخير بات كنيسة رعية بريسات الحديثة.
2 ـ دير مار اسطفان ومار شربل يقعان ضمن أملاك البطريركية المارونية الممتدة من قنوبين صعوداً الى الديمان ، وهما في حي بريسات العتيقة ، من الديمان الحالية ، ويشكلان الامتداد الطبيعي لموقع حديقة البطاركة.
3 ـ دير مار يوسف يقع في أملاك وقف رعية بريسات وليس في أملاك البطريركية .
4 ـ هناك بقايا مزار قديم على اسم مار شربل في نطاق حدث الجبة العقاري الحالي. ولا يعرف ما إذا كان يقع ضمن نطاق بريسات في الماضي، نظراً للخلاف الذي كان قائماً على حدودها الغربية مع حدث الجبة.
5 ـ يرتبط دير مار اسطفان ومار شربل مباشرة بوادي قنوبين عبر طريق مشاة مزمنة لا تزال سالكة توصل من موقعي الديرين المذكورين الى كنيسة سيدة الكرم في وادي قنوبين ، ومنها نزولاً الى مجرى نهر قاديشا ومنه صعوداً الى دير سيدة قنوبين.
6 ـ ملكية البطريركية لديري مار اسطفان ومار شربل ، واتصالهما بقنوبين عبر طريق للمشاة يرجحان كون احدهما مقراً بطريركياً . ولكن اي دير منهما؟ لا دلائل موثقة لحسم الأمر إلا إذا صحت الرواية المنقولة حول ان العلاّمة يوسف سمعان السمعاني ، الذي وردت شهادته الموثقة سابقاً ، قد أقام القداس في كنيسة مار شربل، وأكمل إلى حصرون بلدته حيث حدث أمه بالسريانية، فمعها يحسم الجواب بصورة مؤكدة أن دير مار شربل هو المقر البطريركي.
أما غير هذه الرواية فهناك مؤشر آخر يعزز احتمال أن يكون دير مار شربل المقر البطريركي هو اطلاق تسمية دير على مار شربل في التداول الشعبي الموروث في ما يعرف بمار اسطفان بكنيسة او بمزار مار اسطفان . ومعلوم ان المقر البطريركي يقوم في الأديار. إلا ان هذا الترجيح لا يحسم الأمر بصورة علمية، ويبقى اجراء الفحوصات المخبرية للعظام التي يعثر عليها في هذه المواقع المعيار الأهم لحسم الموضوع “.
وأضاف عرب: “في مطلق الأحوال لقد بدأنا ورشة تنظيف موقع دير مار شربل لرفع الأتربة والأشواك والنباتات البرية عنه وكشف بقاياه ، وآثار الدير حنية المذبح الدائرية وبقايا أساس البناء وجدرانه بطول 17 متراً وبعرض 4 أمتار “.
مبادرة جديدة
رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي ، شكر الأب ضو وسائر العاملين في هذا البرنامج ، وقال : “لقد بدأ هذا البرنامج يفتح آفاقاً أوسع لعمل رابطة قنوبين المتصل بتراث الوادي المقدس نظراً لما يكشفه من الإرث المغمور من هذا التراث ، وهو يتعلق بتراث القرى والبلدات المحيطة بالوادي ، التي تشكل معه وحدة لا تتجزأ . لذلك تعد الرابطة لمبادرة جديدة تقوم على تحريك اهتمام كل رعية على صلة بالوادي لجمع وتحقيق تراثها المغمور . وهذا ما سيعلن عنه قريباً بالتفصيل.
وأضاف: أما بخصوص ما كشف أخيراً حول إقامة البطاركة فنأمل من المديرية العامة للآثار الإسهام في اجراء دراسات علمية تاريخية تمهيداً لأعمال الترميم اللازمة لاحقاًً .
كلام الصور
1 ـ حنية المذبح .
2 ـ مزار مار اسطفان .